في غضون عقدين من الزمن دمر البشر عُّشر المساحات البرية على سطح الأرض!

عندما نتحدث عن الحفاظ على الحياة البرية، فإنه – غالبا – ما يتبادر إلى ذهن الكثيرين منا حماية جنس الباندا، أو الحفاظ على بعض الأنواع المهددة بالانفراض، أو ربما الحفاظ على ما تبقى من بيئتها الطبيعية. إلا أن “جيمس واطسون” له رأي آخر في الموضوع، حيث يرى أن هنالك مساحات شاسعة من الأرض بحاجة إلى حمايتنا. لقد قام “واطسون” و زملاؤه بإجراء دراسة مقارنة بين المساحات البرية على سطح الأرض بين الأعوام 1993 – 2009 ، وتوصل إلى نتيجة صادمة مفادها أن المساحات البرية تقلصت بمقدار 30% على مستوى أمريكا الشمالية، و10% على مستوى العالم.

على الرغم من أن هنالك تقديرات سابقة مقاربة ركزت على التصحر، إلا أن هذه الدراسة الجديدة ركزت على غياب نسبة كبيرة من المناظر الطبيعية. وصرح “تيم نيوبولد” :”هذه هي المرة الأولى التي يضع أحدهم فيها نسبا للفقد في المساحة”. الجدير بالذكر أن “نيوبولد” هو عالم أحياء في جامعة “كولج لندن” ومهتم بالحفاظ على البيئة، وقد أوضحت أعماله أن معظم التنوع البيولوجي في العالم يقع في المساحات البرية. وتأكيدا لما سبق، يُجمع العلماء على أن المناطق البكر تعتبر ضرورية جدا لكوكبنا من ناحية تقليل أثر التغير المناخي عليه. ويضيف “روبن تشازدون” – عالم البيئة في “المعهد العالمي للاستدامة” في ريو دي جانيرو ، في البرازيل- : “وكنتيجة لذلك، يعتبر هذا البحث بمثابة جرس انذار”.

قام الجغرافي الإحيائي المهتم بالحفاظ على البيئة “واطسون” وزملاؤه بتحديد تأثير”البصمات البشرية” على الأرض في وقت سابق، وذلك بدمج الخرائط مع بيانات كل من: الأراضي الزراعية، والمراعي، والإضاءة الليلة، وسكك القطارات، والطرق السريعة، والممرات المائية الصالحة للملاحة، والكثافة السكانية، والبيئة المستحدثة، التي تشمل المناطق الحضرية وغيرها من المستوطنات البشرية. ولتقييم تأثيرها على البيئة، فقد قاموا بجمع بيانات الاقمار الاصطناعية للعشرة أعوام الماضية، ونشرت النتيجة في مجلة “نيتشر كوميونكيشن” (Nature Communications)، حيث أظهرت الدراسة أن الآثار الناتجة عن المخاطر التي تمت دراستها ازدادت باستثناء اثنتين فقط من أصل جميع المخاطر التي تمت دراستها.

يمكن تعريف الحياة البرية بأنها المناطق الأصلية التي تخلو من وجود البشر أو آثارهم، ويشمل ذلك على الطرق. وبناء على ذلك، قام “واطسون” باستبعاد المناطق التي تحوي بشرا أو بعضا من آثارهم من الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى استبعاد المنطقة المتجمدة الجنوبية والمناطق المشابهة، لتنتج لديه المناطق البرية الأصلية فقط.

بحلول عام 2009، بقيت حوالي 23% من مساحات الأرض مناطق برية – حوالي 30.1 مليون كيلومتر مربع منها تتواجد في أمريكا الشمالية، وشمال آسيا، وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى استراليا. وقد توصل الباحثون إلى أن مساحة المناطق البرية قد تقلصت بمقدار 3.3 مليون كيلومتر مربع عما كانت عليه في عام 1993، وهذه المساحة هي ضعف مساحة ولاية ألاسكا. وقد فقدت أمريكا الشمالية ما يقارب 30% من مساحة الأراضي البرية، فيما وصلت نسبة الفقد الى قرابة 14% في أفريقيا، معظمها كانت عبارة عن تدمير مساحات شاسعة من الغابات والمستنقعات في الكونغو و غينيا الجديدة.

حسب رأي “واطسون” وآخرين، فإن أحد الأسباب التي سببت هذا التناقص هو أن الحكومات ومنظمات حماية البيئة تركز جهودها على حماية المناطق البرية المعرضة للخطر، فيما لا تعير المناطق النائية نفس الدرجة من الاهتمام، الأمر الذي يؤدي إلى تعريضها لخطر الاستيطان من قبل المزراعين وعمال المناجم.

إن العمل في مجال حماية الشعاب المرجانية النائية قد يفسر – إلى حد ما – أهمية الأماكن البرية البكر للتنوع البيولوجي، ومدى أهمية العمل على المحافطة على المناطق البرية. فلقد توصلت ” ستيفاني داغاتا”- التي تعمل في جمعية الحياة البرية في انتاناناريفو  إلى أنه حتى في أقدم وأكثر المناطق البحرية حماية، فإن تلك المناطق تفتقر إلى تنوع الكائنات الحية فيها، بعكس ما هو عليه الحال في المناطق البرية.

وكما يقول “روس ميترمير” – الرئيس التنفيذي لـ” الحفظ الدولية” في آرلينغتون ، ولاية فيرجينيا :”وعلاوة على ذلك، فإن المناطق البرية – خاصة الغابات وبفلترتها للكربون الضار – فإنها تعتبر أكثر الطرق تأثيرا في الحد من تغير المناخ”. وفي ذات السياق، تجدر الإشارة إلى أن أحد البيولوجيين في جامعة هارفارد  يدعى ” إدوارد ويلسون” – بالاضافة الى “ميترمير” وآخرون – يرون أن المحافظة على النصف فقط من المساحات البرية والمحيطات كفيل بأن يحل 50% من مشكلة تغير المناخ.

 

المصدر: Science

عن عبدالله سليمان

محب للعلم ، اعمل مترجما حرا في اوقات الفراغ

شاهد أيضاً

منعطف تاريخي في إطلاق الصواريخ من سبيس إكس

أنزلت سبيس إكس (SpaceX) المرحلة الأولى من صاروخها فالكون 9 (Falcon 9)، واستخدمت الكبسولة “تنين” …

اترك رد