تعتبر أبحاث الدماغ من أحدث الوسائل المستخدمة في دراسة الدماغ، وبالرغم من تعدد وسائل قياس أنشطة الدماغ إلا أن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) هو من أشهر التقنيات المستخدمة في دراسة وظائف الدماغ، حيث يقوم بقياس استجابة الدورة الدموية (التغير في تدفق الدم) المتصلة بالنشاط العصبي في الدماغ أو النخاع الشوكي، وهذا جعل العلماء والباحثين يوظفون هذه التقنية في التعرّف وربط مناطق الدماغ بمختلف الوظائف والمهام.
إن المبدأ وراء استخدام تقنية fMRI في التعرّف على وظائف الدماغ مبني على قياس تدفق الدم إلى مناطق الدماغ، والمنطقة التي تحتوي على تدفق أكثر فهي تعتبر “المنطقة النشطة”، أو كما تظهر في صور تقنية الـ fMRI بأنها المناطق المضيئة أو الحمراء، وبالرغم من صحة هذا المبدأ إلا أن البرامج والأجهزة المستخدمة لذلك قد تعاني من خلل إحصائي يشكك في كل الدراسات السابقة كما يشير بحثًا جديدًا نُشر الأسبوع الماضي في الأكاديمية الوطنية للعلوم.
في هذه الدراسة، قام مجموعة من الباحثين في السويد بإعادة النظر في الدراسات المنشورة مؤخرًا والتي لازالت بياناتها متاحة، وركزوا على النظر في نشاط الدماغ وقت الراحة أو كما يطلق عليه بالبيانات الثابتة (Controlled Data) أو البيانات المسيطر عليها، حيث أن كل دراسة علمية تتطلب أن يكون هناك عامل تحكم أو بيانات ثابتة لمعرفة ما إذا كان هناك أثر حقيقي للظاهرة التي يتم دراستها، على سبيل المثال: لو أردنا معرفة منطقة الدماغ التي تتحكم بحركة اليد، فعلينا أن نقوم بقياس النشاط الدماغي أثناء حركة اليد، بالإضافة إلى قياس النشاط الدماغي أثناء الراحة (عدم الحركة) وهذه البيانات ستكون البيانات الثابتة، بعد ذلك نقارن البيانات لمعرفة أي المناطق الدماغية التي نشطت أثناء حركة اليد ولم تكن نشطة في البيانات الثابتة. وهذا يعني أنه من المنطقي أن تكون البيانات الثابتة متشابهة تقريبًا في نشاطاتها (من الصعب أن تكون متشابهة تمامًا، لأنه يصعب التحكم فيما نفكّر فيه ولذلك سمح العلماء بنسبة ٥٪ من الإختلاف بين نشاطات بيانات الدماغ الثابتة).
قام الباحثون بجمع البيانات الثابتة لأشخاص أصحاء يبلغ عددهم ٤٩٩ شخص ومن ثم القيام بتحليل بياناتهم بشكل عشوائي لأكثر من ٣ مليون مرة باستخدام نفس البرامج التحليلية المستخدمة في مثل هذه الدراسات، المفترض أن الإجراءات التحليلية تقوم بدراسة مدى الإختلاف بين هذه البيانات – الذي يُفترض أن لايتجاوز ٥٪- ولكن العجيب في الأمر أن معظم البرامج التحليلية المستخدمة في الدراسات السابقة أشارت إلى إختلاف يقارب الـ ٧٠٪!، وهذا يعني أن استخدام مثل هذه البرامج التحليلية قد يقود إلى نتائج خاطئة وآثار إيجابية كاذبة (False Positive Results).
بالرغم من وجود هذا الخطأ التحليلي في بعض البرامج التحليلية لقراءات الـ fMRI، فإن هذا لايعني أن نتائج كل الدارسات السابقة خاطئة وإنما إحتمالية وجود نتائج إيجابية كاذبة أمر وارد بشكل كبير خصوصًا في حالة استخدام الأدوات الإحصائية المذكورة في الدراسة الأخيرة.
وفي الختام، أود الإشارة إلى أن هذه الدراسة لا تشكك بقدرة تقنية الـ fMRI على استنتاج الوظائف الدماغية وإنما على الأخطاء الناتجة بسبب نوعية أو كيفية استخدام الأدوات والبرامج الإحصائية، أضف على ذلك أن هناك دراسات تعاني من إشكاليًات ومغالطات في استنتاجاتها بسبب أخطاء إحصائية وطرق ركيكة في تحليل البيانات، لذلك اتجهت بعض المجلات العلمية إلى مطالبة الباحثين بتزويدهم بالبيانات الأصلية للدراسة (raw data) وذلك يسمح بمراجعتها وإعادة دراستها بل وحتى الإستفادة منها في تطوير الأبحاث.
المصادر/