بلوتو، الأفق الجديد

speaker_icondisk
ipod

رحلة نيوهورايزون إلى الكوكب القزمي بلوتو

حدث تاريخي حدث اليوم بتاريخ 14/7/2015 في الساعة 11:49 بالتوقيت العالمي المنسق أو بتوقيت جرينتش، أو 2:49 بتوقيت الكويت وكذلك المملكة العربية السعودية، وهو أن المركبة أو المسبار الملقب بنيو هورايزونس مر بأقرب نقطة إلى الكوكب القزمي بلوتو، والتقط صورا له، وستعلن هذه الصور بعد قليل من ناسا، وذلك بعد مرور خمس ساعات على الأقل من وصول المركبة إلى أقرب نقطة. اجتمع العالم اليوم على العلم… اجتمع العالم اليوم على النظر إلى بلوتو عن قرب، ذلك الكوكب الذي تغير ترتيبه من الكواكب التسعة في المجموعة الشمسية، ليصبح كوكبا قزميا، لينخفض عدد الكواكب إلى ثمانية من تسعة.

بلوتو

تنبأ العالم الفرنسي إيربا جون جوزيف (Urbain Jean Joseph) بوجود الكوكب نبتون قبل أن يراه أحد، وقد باستخدام الرياضيات المعتمدة على قوانين نيوتن والملاحظات الفلكية لمعرفة وجوده، كان ذلك في سنة 1846. وبعد أن شوهد نبتون، لاحظ العلماء أن الكوكب أورانوس يتأثر بجسم آخر أثناء دورانه في فلكه، صحيح أن لكوكب نبتون تأثير، ولكن ظن العلماء أن لابد أن يكون هناك كوكبا غير معروف يؤثر عليه أيضا، لقب ذلك الكوكب الخفي باسم كوكب أكس، وعادة ما يستخدم حرف اكس لشيء غير معرّف إلى أن يعرّف، ثم يعاد تسميته (إلا في حالات معينة مثل أشعة إكس).

وفي سنة 1894 أُنشأ مرصد لويل (Lowell Observatory)، وبدأ البحث بجدية عن الكوكب أكس، رُصد الكوكب سنة 1915، ولكن العلماء لم يتعرفوا عليه حينها، وتوقف البحث عنه حتى سنة 1929، ثم أعطيت المهمة للفلكي كلايد تومبوه (Clyde Tombaugh)، راقب كلايد السماء لمدة عام كامل، إلى أن اكتشف الكوكب إكس سنة 1930 ، كان عمره آنذاك 23 سنة.

وقد لقبت فينيشيا بيرني وهي بعمر 11 سنة (Venetia Burney) الكوكب باسم بلوتو، وهذا الاسم يرجع إلى إله العالم السفلي الروماني بلوتو، يعرف عنه أنه إله يستطيع التخفي، فقبل كلايد بهذه التسمية خصوصا أنه يحتوي على الحرفين P و L، وهما الحرفان الأوليان في اسم الشخص الذي أنشأ مرصد لويل: Percival Lowell.

بقي الكوكب محتفظا بكوكبيته حتى سنة 2006، فقد كانت النقاشات حامية على طرفين، طرف يريد أن يزيل لقب كوكب عن بلوتو، وطرف يريد أن يبقيه، والصراع لا يزال مستمرا، وإن كان هناك اتفاق رسمي من الكثير من الفلكيين على تغيير تصنيف بلوتو من كوكب إلى كوكب قزمي، خصوصا بعد اكتشاف أجرام سماوية أخرى متعددة تفوق الكوكب بلوتو بكتلته أو حجمه، فعلى سبيل المثال الكوكيب إيريس (Eris) هو كوكب قزمي، وهو أكبر من بلوتو بنسبة 27%، حتى قمر الكرة الأرضية أكبر من بلوتو، ولكن المسألة لا ترجع إلى الحجم، فقد قام العلماء بوضع شروط تؤهل الجرم بأن يصبح كوكبا، وقد خسر بلوتو أحد هذه الشروط. والشروط كانت كالتالي:

1. أن يدور الجرم حول الشمس (بلوتو يدور حول الشمس)

2. لابد أن يكون الكوكب بكتلة بحيث تتوفر لديه الجاذبية التي تضغطه ليصبح كرويا (بلوتو كروي)

3. لابد أن ينظف أو يمسح الجرم ما في حول فلكه (للأسف، لا ينطبق)

لم ينجح بلوتو بالتأهل للشرط الثالث، حيث أنه يوجب على الكوكب أن يكون متمكنا جاذبيا في فلكه، بحيث لا يكون هناك سوى أقمرا تابعه له، وبما أنه توجد أجرام أخرى ملقبة ببلوتينو (Plutino) بالقرب من مدار بلوتو، فهذا يعني أن بلوتو لا يستحق تسميته بكوكب. إن تبحث عن الكواكب الأخرى ستجد أن الأرض على سبيل المثال أو الكواكب الأخرى تسير في مدارات أو بالقرب من مدارها خالية.

يبعد الكوكب القزمي بلوتو عن الأرض بقدر 7.5 مليار كيلومتر حينما تكون الأرض على جانب من الشمس وبلوتو على الجانب الآخر، وبقدر 4.28 مليار كيلومتر حينما يكون قريبا من الأرض، وهو يدور حول الشمس بدوران بيضاوي أو إهليجي، ولهذا السبب ولدوران الأرض حول الشمس تختلف المسافات.

يقضي بلوتو 248 سنة أرضية لكي يدور دورة كاملة حول الشمس، أي أن سنته تعادل 248 سنة أرضية، وهذا يعني أن منذ اكتشافه إلى يومنا هذا قد مر على الكوكب 85 سنة، وفي خلال هذه المدة كلها لم يكمل دورة كاملة، وهذا أيضا يعني أن العلماء لم يروا من حركته سوى قوسا جزئيا من دورة بيضاوية واحدة.

وكذلك لدى بلوتو 5 أقمار، وهم شرون (Charon)، وقد صوره المسبار قبل أيام، قطر القمر شرون يعادل نصف قطر بلوتو، ويعتقد العلماء أنه تكون كما تكون قمر الأرض من إثر اصطدام كويكب فيه (وقد شرحت فكرة نشوء القمر في حلقة قديمة)، مما أخرج منه شرون، أما الأقمار الباقي فهي: ستيكس (Styx)، ونيكس (Nix)، وكيربيروس (Kerberos)، وهايدرا (Hydra).

PlutoCharon01_NewHorizons_1080

لا يتميز كوكب المريخ في لونه الأحمر، نحن نعرف أن المريخ لونه أحمر، لأن بلوتو هو أيضا أحمر اللون (الكثير يرون صورا له وهو يظهر وكأنه أبيض اللون، الاعتقاد السائد أن لونه قريب للجليد الموجود على الأرض، وهذه معلومة خاطئة)، ولكن سبب احمراره يختلف عن سبب احمرار المريخ. فالغلاف الجوي لبلوتو يحتوي على الميثان والنيتروجين وأول أكسيد الكربون، حينما يتعرض الغلاف لأشعة الشمس، فإن الأشعة فوق البنفسجية تتفاعل مع جزيئات الميثان وتفككه، وتنتج مادة عضوية تسمى بـ “ثولن” (Tholin)، لونها أحمر، فتنزل إلى السطح. وكذلك فإن الإلكترونات من الأشعة الكونية، تؤثر على الميثان بنفس الطريقة. هذا بحسب المعلومات الحالية، ولكن مع مرور المركبة نيو هورايزونس وقياسها للغلاف، سنكتشف إن كانت هذه المعلومات صحيحة.

بلوتو يقبع في حزام كايبر، وهو الحزام المحيط بالشمس ويأتي بعد نبتون، وهو مليء بالأجسام الصغيرة المكونة من الميثان والأمونيا، والماء المتجمد، وقد خُلفت هذه الأجسام من المجموعة الشمسية بعد تكونها، ويحتوي حزام كايبر على ثلاث كواكب قزمية، وهي بلوتو، وهاوميا (Haumea)، وميكي ميكي (Makemake) بالإضافة لأقمارها، وقد يحتوي على كواكب قزمية أخرى.

نيو هورايزونس

لقد كانت ولادة المسبار نيو هورايزونس عسيرة، فقد عصفت ناسا بعدة أفكار لصناعة مركبة تذهب إلى بلوتو، ولكن أغلب تلك الأفكار ظلت مكبلة بداخل العقل الناسوي، فإحدى الأفكار كانت أن يتم رمي المسبار فويجر مقلاعيا إليه (فويجر الذي أطلق سنة 1977، وليس نيو هورايزونس الجديد)، ولكن غير العلماء خطتهم، وكذلك فإن إحدى الأفكار كانت لصناعة مركبة صغيرة تصل إلي الكوكب القزمي في عضون 6 سنوات، ولكن الأجهزة كانت كبيرة في ذلك الوقت، ولم يكن بإمكان العلماء تصغيرها لتتركب على المسبار، فألغيت الفكرة، وفكر العلماء كذلك بمركبة أخرى صغيرة تحت مظلة مهمة Pluto 350، ولكن اعتبرها العلماء مجازفة، كانت هناك أفكارا كثيرة جدا، وكلها كانت تقع بعد التخطيط.

بعد أن غضب العلماء من موجة الرفض التي تلقتها لإرسال مسبار إلى بلوتو، قبلت ناسا وانتهت بصناعة نيو هورايزونس بنفس الخطط التي صممت في مهمة بلوتو 350. فتشكل فريق نيو هورايزونس رسميا سنة 2001، وبدأت المجموعة بإنتاج المركبة، إلى أن انتهوا من عملهم سنة 2006، أطلقت ناسا المسبار نيو هورايزونس (الآفاق الجديدة) في 19 يناير من سنة 2006، وسافر رحلة قدرها 9 سنوات إلى أن وصل اليوم إلى بلوتو.

هدف ناسا من هذه المهمة هو دراسة الكوكب القزمي هو وأقماره، الدراسة تشتمل على فهم سطح بلوتو ومكوناته وجيولوجيته (بلوتولويجيته كلمة من عندي) هو والقمر، دراسة مكونات الغلاف الجوي لبلوتو وشرون، ةدراسة درجات الحرارة، وكذلك النظر في وجود حلقات وأقمار أخرى لبلوتو، في النهاية ستكون هناك دراسة لحزام كايبر. بالتالي هذا سينعكس على معرفة نشوء المجموعة الشمسية.

حينما أطلقت ناسا المسبار، أطلقته بسرعة 59,000 كم/ساعة، وتعتبر هذه السرعة هي أسرع إطلاق لمركبة من الأرض، وهي 65 مرة ضعف سرعة الطائرة، ولكن هذه السرعة لا تقارن مع سرعة فويجر 1 والتي خرجت من المجموعة الشمسية، تلك المركبة أطلقت في عام 1977 بسرعة أقل من سرعة نيو هورايزونس، ولكنه يسبح في الفضاء بسرعات أكبر الآن.

كيف يمكن للمركبة لأن تحصل على سرعات أكبر؟ السبب يعود إلى الكواكب في المجموعة الشمسية، فالمركبة فويجر 1 حينما خرجت من الأرض، مرت بعدة كواكب، ولما تمر على كوكب ما، فإن الكوكب يجذبها إليه، فينحني مسار المركبة، ومع قوة الجاذبية، والتي لا تستطيع أن تسحب المركبة إلى الداخل، يقوم الكوكب بقذف بالمركبة كما نقذف الصخرة بالمقلاع. وبهذا تسحب المركبة وتطلق بسرعات أكبر مما انطلقت به.

مركبة فويجر 1 تسير بسرعة 61,000 كيلومتر في الساعة في هذه اللحظة، بعد أن استفادت من أربعة كواكب في المجموعة الشمسية، أما بالنسبة لنيو هورايزونس، فسرعته الابتدائية كانت 59,000 كم/س، ولكن هو أيضا استفاد من المشتري في زيادة سرعته، وقد بحثت عن أرقام مقبولة ولكني لست متأكدا مما سأقوله الآن، الإجابات مختلفة من مكان إلى آخر، السرعة التي وصلت لها المركبة نيو هورايزونس هي 83000 كيلو متر في الساعة، بالاستفادة من المشتري، وهذا من موقع من مواقع ناسا، وهذا يعني أن المركبة نيو هورايزونس هي الأسرع الآن. لقد ذكرت في التويتر أن العكس هو الصحيح، ولكني أصحح المعلومة الآن، مع القليل من التحفظ، ومع ذلك أرجو من المستمعين أن يبحثوا عن المعلومة، لأني لم أجد ما هو دقيق، الأرقام ملخبطة جدا، حتى أنني نظرت إلى الرسومات البيانية التي تبين السرعات الإضافية بسبب قذف الكواكب للمراكب، ولكن هي أيضا تختلف عن السرعات التي ذكرتها الآن، أضف لذلك أن الشمس أيضا تجذب المراكب، وهذا أيضا يؤثر، وحتى ربما حماس الأخبار والمواقع كلها حول الموضوع صنع لخبطة في الأرقام، أعتقد أنا ما أقدمه الآن هو أفضل الأرقام، ربما مع الأيام تتضح الصورة أكثر.

(لكن لحظة للتأمل، وهي أن ناسا تستخدم كوكبا كاملا لتسريع مركبة فضائية، كيف يشعر العلماء في ناسا حينما يفكرون أنهم “يستخدمون” الكواكب، لا أنهم يقومون باستكشافها فقط).

لقد قام العلماء بتعديلات طفيفة عبر السنوات على وجهة المسبار، حيث أطلقت المحركات التي على متنه شهرين بعد الإطلاق، وكذلك في سنة 2007 لزيادة سرعته، وبعد 3 سنوات تقريبا أطلقت المحركات مرة أخرى، وقد وصل المسبار إلى منتصف المدة الزمنية (ليس منتصف المسافة) بين الأرض وبلوتو، إن دل هذا على شيء، إنما يدل على مدى دقة ناسا التي قادرة على توجيه مسبار من كوكب متحرك إلى كوكب آخر متحرك، في عمق سماء مليارية الكيلومترات.

سأترك بقية المركبة نيو هورايزونس إلى الغد، بعد أن نرى الصور والمعلومات الأخرى، وخصوصا أنني قضيت 5 ساعات في الكتابة والبحث، وكان هدفي إنزال البودكاست بأسرع وقت، كذلك سأجيب عن الأسئلة الكثيرة التي وصلتني بقدر الإمكان. أما الآن استمتعوا بكونكم جزء من هذا العالم عالم البشري الذي أرسل المراكب للكواكب.

عن محمد قاسم

د. محمد قاسم هو أستاذ مساعد في كلية الدراسات التكنولوجية في الكويت، يحاضر في قسم الهندسة الإلكترونية، يعد ويقدم السايوير بودكاست (برنامج علمي تكنولوجي صوتي)، وكذلك يكتب في موقع الجزيرة (علوم)، ويشجع ويحث على العلم بشغف كبير.

شاهد أيضاً

العلماء يُطورون علاجا جديدا للغضاريف المُتضررة

يعاني الكثيرون من تضرر الغضاريف المفصلية في أجسامهم من جراء التعرض لبعض الإصابات والحوادث. الغضروف …

4 تعليقات

  1. م ياسر عبدالله

    جزاك الله كل خير علی مجهودك الجباااار يا دكتور
    مجهود السهل الممتنع

  2. ماجدة منصور

    نتابع هذه الأخبار بشغف و شوق
    شكرا جزيلا

اترك رد