يتكون الحمض النووي (DNA) من أربع قواعد نيتروجينية وهي أدنين (A)، جوانين (G)، ثايمين (T)، وسيتوسين (C). ترتبط قاعدة الأدنين بقاعدة الثايمين (A-T)، كما ترتبط قاعدة الجوانين بقاعدة السيتوسين (G-C).
ولكن يبدو أنَّ أبجدية الحمض النووي لن تقتصر على هذه القواعد الأربعة فقط؛ حيث تمكنت الشركة الناشئة في مجال التقنية الحيوية سينثوركس (Synthorx) من تطوير بكتيريا حمضها النووي يحتوي على قاعدتي نيتروجين إضافيتين غير القواعد الأربعة الأساسية، وهما القاعدة س (X) والقاعدة ص (Y)، حيث ترتبط القاعدة س مع القاعدة ص (X-Y). إنَّ هذه البكتيريا المُصنعة هي الأولى من نوعها، وتستخدمها الشركة لإنتاج بروتينات من شأنها المُساهمة في صناعة مُركبات دوائية مُحسَّنة مثل المُسكنات، المضادات الحيوية، وأدوية علاج السرطان.
مُخترع هذه التقنية هو الكيميائي رومسبيرغ. كان رومسبيرغ يهدف إلى تصنيع قاعدتين نيتروجينيتين وإضافتهما إلى تركيبة الحمض النووي الأساسية بحيث تعملان بتناغم مع القواعد الأخرى. كما حرَصَ رومسبيرغ على ألاَّ تتشابه أيًّا من القاعدتين مع القواعد الأربعة الأساسية؛ لأنَّ ذلك يُمكن أن يؤدي إلى اعتبارها نسخة من إحدى القواعد الأساسية مما قد ينتج عنه ارتباطها بطريقة خاطئة مع القواعد الأخرى وإلغاء تأثيرها على تركيبة الحمض النووي. على سبيل المثال، لو كانت القاعدة س تشبه قاعدة الأدنين والقاعدة ص تشبه قاعدة الجوانين، فإن القاعدة س سترتبط بقاعدة ال الثايمين والقاعدة ص سترتبط بقاعدة السيتوسين أي أنَّ القاعدتين س وص هما مجرد نسختين من قاعدتي الأدنين والجوانين في هذه الحالة مما يعني أن تركيبة الحمض النووي لم تتغير فعليًا. استمرت محاولات رومسبيرغ أكثر من خمسة عشر عامًا، وقد تمكن أخيرًا من تحقيق هدفه في عام 2012م، وفي عام 2014م أعلن رومسبيرغ أنَّ البكتيريا المُصنعة تستطيع نسخ حمضها النووي المُعدل كما تستطيع نقله إلى الأجيال القادمة.
إنَّ الثورة العلمية في هذا الإنجاز لا تتمثل في التعديل على تركيبة الحمض النووي فقط، بل تتمثل أيضًا في استخدام البكتيريا ذات الحمض النووي المُعدل لإنتاج بروتينات جديدة لا يُنتجها الحمض النووي الأساسي. يتكون البروتين من تراكيب وأعداد مختلفة من الأحماض الأمينية. عند صناعة البروتين في الخلايا يتم تمثيل كل حمض أميني بمجموعة محددة من القواعد النيتروجينية، وبالتالي فإنَّ إضافة القاعدتين س وص إلى الحمض النووي تؤدي إلى تمثيل أحماض أمينية مُصنعة مختلفة بالإضافة إلى تلك التي تُمثلها القواعد النيتروجينية الأساسية مما يؤدي إلى إنتاج بروتينات جديدة.
تشمل التطبيقات المُستقبلية المُمكِنة لهذه التقنية في المجال الطبي إمكانية استخدام الأحماض الأمينية المُصنعة للتعديل على البروتينات العلاجية الموجودة بشكل طبيعي وجعلها أكثر كفاءة في استهداف أجزاء محددة داخل الجسم، كما يُمكن بواسطة هذه التقنية صناعة بروتين يتمكن من علاج منطقة معينة داخل الجسم دون الإضرار بالأنسجة المحيطة بها. وتأتي إمكانية علاج اضطرابات الأيض ضمن التطبيقات المُحتملة لهذه التقنية، ومن أمثلة ذلك صناعة إنسولين طويل المدى لمساعدة مريض السُكري من النوع الأول حيث تدوم فعاليته في جسم المريض أكثر من النوع الموجود حاليًا، وبالتالي يُمكن للمريض حقن الإنسولين عدة مرات أسبوعيًا بدلًا من حقنه بشكل يومي.
تبدو التطبيقات المُمكنة لهذه التقنية واعدة، ولكن حتى الآن ليس هناك تصورات واضحة حول إمكانية تطبيق هذه التقنية على أرض الواقع ومدى قبول الناس لها.
المصادر: MIT Technology Review